يعتقد الكثير من المدونين أن المدونات العربية المتناثرة على صفحات الإنترنت قد زاد عددها وفاض عن الحد الطبيعي, حتى أن البعض شبهها بشرائط الكاسيت الهابطة التي غزت عالمنا العربي في بداية التسعينيات من القرن المنصرم, وهذا بالطبع اعتقاد ليس في محله,فعدد المدونات العربية لا يزال قليل جداً, فالتدوين لن يتقدم ولن يتطور إلا حينما يكون لأغلبية الشباب العربي مدونات خاصة بهم ينشرون بها أفكارهم وخبراتهم وخواطرهم.
لماذا أقول بضرورة أن يكون لكل فرد فينا مدونة؟
نعلم جميعاً أن معظم الدول العربية تعد برامج ومشاريع من أجل تشجيع الشباب على القراءة, وسمعنا مراراً بعض من أصحاب الياقات البيضاء في برامج التوك شو وهم يتهمون الشباب العربي بالعزوف عن القراءة, ويعلل بعضهم ذلك بارتفاع سعر الكتاب أو بانشغال الناس بقوت يومهم, أو لأن الشباب يحصل على المعلومات التي يريدها من التلفزيون ومن الإنترنت بدون تحليل, وكأن العرب هم الوحيدون المنشغلون بقوت يومهم أو هم الوحيدون الذين يستخدمون الإنترنت, فكل شعوب العالم مشغولة بقوت يومها كما أنهم يستخدمون الإنترنت مثلنا تماماً بل وأكثر منا, وسعر الكتاب في أوربا وأمريكا أغلى بكثير من أسعار الكتب عندنا وبالرغم من ذلك فإن شعوب الغرب تقرأ أكثر منا. لم يذكر لنا أحد من أصحاب الياقات البيضاء السبب الحقيقي لعزوف الشباب العربي عن القراءة.
السبب واضح وبسيط, وهو أن الشباب العربي لا يقرأ لثلاثة أسباب:
الاول لأن الكتاب العرب القدامى يكتبون بلغة معجمية صعبة لا يفهمها الا أعلام اللغة.
الثاني: الأفلام العربي التي صورت المثقف على أنه شخص مجذوب عقلياً, غير مهندم, تنفر منه السيدات.
الثالث: أن الشاب العربي لا يشعر بقيمة أو هدف أو فائدة من وراء القراءة, فما الذي سيحققه من منافع إذا ما قرأ وتثقف وهو يعلم أنه في أخر الأمر لن يحصل على عمل ولن يتلقى أي مردود مادي أو معنوي من وراء القراءة وتعب الرأس.
فالطبيعة الإنسانية دائماً تسعى لتحقيق المنفعة, فحينما يؤدي أي شخص عمل ما فإنه يؤديه إما للحصول على منفعة مادية أو معنوية أو عاطفية. فالشاب الذي يمارس رياضة كمال الأجسام يتحمل التعب والآلام من أجل تحقيق المنفعة التي يريدها وهو جسم رياضي يجعله متميزاً بين أفراد المجتمع, والفتاة التي تهتم برشاقة جسما وتحافظ على ممارسة حمية شاقة إنما تفعل ذلك من أجل تحقيق الرضا الداخلي ومن أجل النجاح المهني والأسري.
حري بمن ينصحنا بالقراءة أن يوضح لنا اولاً ما هي الفوائد المادية والمعنوية من القراءة, وحتى لا أكون مثل هؤلاء فانا هنا اقول للجميع دونوا, لأنكم حينما تدونون ستقرؤون لا محالة, وإذا سألني أحد وقال لي ما هي الفوائد المادية والمعنوية من التدوين؟ سأجيبه قائلاً بأن التدوين مربح مادياً ومعنوياً.
- هل التدوين العربي مربحاً حقاً؟
حينما نذكر عبارة ” الربح من التدوين” يتبادر إلى ذهن كل واحد فينا وسيلتين للربح لا ثالث لهما الأولى هي الإعلانات والثانية هي التجارة الإلكترونية, ومع أن هاتين الوسيلتين من وسائل الربح المؤكدة إلا أن الاعتماد عليهما قد يكون مضللاً في كثير من الأحيان وذلك لأنهما تتطلبان مدون خبير ومحتوى متجدد وتحتاج إلى صبر ووقت ومجهود كبير, وكثير من الناس أقدموا على التدوين من أجل تحقيق ربح عن طريق واحدة من هاتين الوسيلتين لكنهم توقفوا عن التدوين عندما فشلوا في تحقيق ربح ملموس , فحينما يضع المدون هدف خاطئ لمدونته فمن الطبيعي أن يتسلل الملل إليه ويجعله يتوقف عن التدوين, لان الهدف الخاطئ يجعله يتبنى استراتيجية خاطئة تؤدي به في النهاية إلى لا شيء.
هناك طرق للربح كثيرة يمكن أن يحققها المدون غير هاتين الطريقتين, سأذكر منها ما جربته بنفسي وما عرفته من بعض زملائي المدونين.
– المدونة تساعد في الحصول على وظيفة: حينما تقدم مدونتك محتوى محترم ومفيد فإنها بلا شك ستتكلم بالنيابة عنك في الإنترفيو, فهي أفضل من السيرة الذاتية المكتوبة وذلك لأن السيرة الذاتية تقدم معلومات تحتاج إلى برهان عملي أم المدونة فهي برهان عملي واضح تظهر تميزك أمام صاحب العمل, فأنت حينما تدون فهذا يدل على أنك إنسان مثقف, منفتح على الآخرين, معتمد على ذاتك, مبدع, تحب التعامل مع الناس, لديك الحلول الكافية لأي مشكلة, تجيد التعامل مع الإنترنت والحاسوب, وقد حصل كثير من أصدقائي المدونين على وظائف حينما ذكروا لصاحب العمل في الإنترفيو أنهم مدونين.
– المدونة بمثابة مكتب تجاري أو شركة متخصصة: مهنتي هي الترجمة, وقد تلقيت عروض كثيرة من أفراد وشركات يطلبون مني أن أترجم لهم بعض الأعمال نظير أجر محترم, بذلك فإن المدونة أصبحت مكتب ترجمة أو شركة ترجمة خاص بي, لم تكلفني الكثير ويمكن أن لا تكلفي مليماً واحداً إذا كانت مجانية, وكل مدون على حسب خبرته وعلى حسب مجال عمله يمكنه أن يقدم في مدونته ما هو متميز وهذا سيجعل عروض العمل تنهال عليه من كل حدب وصوب.
– المدونة تعتبر دار نشر: تلقيت من خلال مدونتي عروض من عدة دور نشر من أجل تحويل بعض أعمالي إلى كتب منشورة, وهذا بلا شك يحقق ربح مادي مباشر وغير مباشر, فالربح المباشر يتمثل في ثمن النسخ المباعة من الكتاب والربح الغير مباشر يكمن في الشهرة التي ستحققها والتي ستمكنك من الحصول على أي وظيفة تريدها.
المدونة تحقق الشهرة: حينما تضع صورتك في مدونتك فسيعرفك الناس ويتفاعلون معك, فالناس تحب الوجوه الأليفة إليها, فتخيل أن زائر ما وصل إلى مدونتك بطريق الصدفة وقرأ مقال من مقالاتك وأعجب به, وشاهد صورتك الموضوعة في مدونتك فإن عقله الباطن سيختزن صورتك في اللاوعي, وحينما يراك في الطبيعة سيقول لنفسه أين رأيت هذا الوجه من قبل, أي أنك ستكون مألوفاً له وقد يكون هذا الشخص صاحب عمل أو أب لفتاة تريد خطبتها, وحينئذ ستقبل بلا شك من الفتاة ومن أبيها!!!.
المدونة أداة هامة لتطوير الذات: هناك مثل غربي شهير يقول ” إذا أردت أن تتعلم شيئاً فعليك أن تعلمه” فإن كنت مدون متخصص في التصميم وقدمت دروس في مدونتك عن كيفية تصميم مواقع الويب أو قوالب المدونات فإن هذا الشيء سيجبرك على المزيد من الاطلاع والتطبيق لكي تواكب التطور في مجال عملك, وبناء على ذلك ستتطور قدراتك في التصميم وستصبح مصمم محترف وستنهال عليك عروض العمل سواء من الشركات أو الأفراد.
المدونة آلية فعالة لبناء شبكة من المعارف: حينما تكون لديك مدونة جيدة سيكون لديك قراء كثيرين ومن بين هؤلاء القراء سيكون صاحب عمل الذي يبحث عن موظف جيد, ومنهم أيضاً الممول الذي يبحث عن شريك خبير, ومنهم الحكيم صاحب النصيحة الصادقة, ومنهم المدرب الذي سيوفر عليك ثمن الدورات التدريبية التي تنوي خوضها, وكل هذه الأشياء ما هي إلا ربح مادي غير منظور.
المدونة بمثابة مكتب توظيف: حينما تضع سيرتك الذاتية في مدونتك فهذا إشهار مجاني لسيرتك الذاتية وقدراتك ومن خلال هذا الإشهار تستطيع أن تحقق مكاسب كثيرة أقلها العرض الوظيفي ومن بينها عروض المشاركة في البرامج التلفزيونية وهي بالطبع بمقابل مادي وعن نفسي تلقيت عروض من بعض الصحف والمجلات لكي أكتب فيها مقالات بصفة دورية ولولا أن وظيفتي تحتم علي عدم العمل لدي أي جهة أخرى لكان هذا مصدر جيد من مصادر الرزق.
المدونة بمثابة حصانة للمدون: مدونة الوعي المصري يديرها شخص بسيط إلا أن ما بها من محتوى ليس بسيطاً على الإطلاق فقد استطاع أن يكشف الفضائح التي يمارسها بعض ضباط الشرطة داخل السجون وبالرغم من ذلك لم يجرأ أحد من أجهزة الأمن على أن يتعرض له بسوء وذلك لأن مدونته مشهورة وهذه الشهرة تجعل أي شخص يفكر ألف مرة قبل التعرض لهذا المدون المغوار, وأنت لو أصبحت مدون من هذا النوع فستكون لك حصانة إعلامية لا يستطيع أحد أن يخدشها أو يمسها بمكروه.
للتدوين فوائد معنوية: حينما تدون تفكر, وحينما تفكر لن تشعر بملل أو ضيق أو تعب نفسي على الإطلاق, التدوين يعلمك كيفية التحدث مع الناس, التدوين يعلمك كيف تحترم أفكار الناس وكيف يحترم الناس أفكارك, التدوين يعلمك كيف تتقبل النقد بصدر رحب, التدوين يعلمك الصبر, التدوين يجعلك تقرأ وتحلل, التدوين يجعل لك قيمة اجتماعية, للتدوين متعة والمتعة لا توصف ولن تشعر بها إلا بتجربتها عملياً.
عزيزي القارئ مما سبق يتضح أن للتدوين فوائد مادية ومعنوية كثيرة لا يمكن عدها, فحينما تبدأ مدونتك عليك أن تضع تلك الأهداف أمام عينيك ولا تختزل الفائدة في الإعلانات أو التجارة الإلكترونية لأن هذا الاختزال يؤدي إلى محتوى تافهة غير ممنهج. الهدف الصحيح هو الذي يمكنك من انتهاج استراتيجية صحيحة لمدونتك ومن ثم محتوى محترف يتسم بالتشويق والموضوعية والصدق حينئذ تستطيع المدونة أن تحقق لك ربحاً مادياً ومعنوياً لا حدود له.